الآن أُدركُ أني كائن بشري كامل وباعتباري كائناً بشرياً لابد أني أكثر قيمة بالنسبة إليكِ من أعظم الفنانين قاطبة. لم يضِع أي شيء جراء هذا التغيير. على العكس، بل كسبتُ كل شيء. إنكِ لا تنافسين عملي. أنتِ لستِ المُلهِمة التي تمّت التضحية بها. ما أشد حِدّة وعيي، وامتناني لك، لأنكِ اجترحتِ هذه المعجزة. إنها إبداعكِ، وهي إنسانيّة صِرف، تمَّ بلوغها عبر كفاحٍ مرير. وما فعلتِ لا يقلّ عن أي عمل بطوليّ. لو كنتِ مجرد امرأة لفشلتِ. أنتِ فنانة – في الحياة – وأي تقريظ يمكن أنْ أصِفكِ به ؟ أنا كنتُ فناناً فقط بالكلام، وفي الحياة كنتُ فاشلاً بمرارة. كلمات، كلمات – كم تخنق روح المرء ! أعطني المرأة وسوف تحتل الكلمات موقعها المناسب. لقد كنتُ عبداً للكلمات. الآن سوف أستخدمها .
أحياناً أعتقد أنَّ مجيئي إلى هنا سوف تكون له هذه النتيجة بالذات، أي سوف تصبح شخصيتي محسوسة وملحوظة. أعتقد، إذا توقّعت مكافأة مستحقّة، أني حالما أُقنع الناس بنزاهتي فإنَّ أي شيء أفعله أو أقوله، أي شيء أكتبه، سوف يلقى الاستحسان. لا يمكن للناس أنْ يتجاهلوني وهم يعلمون مَنْ أنا، يعرفون صدقي، ورصانتي. لم تعد لدي أية رغبة في لعب دور المُهرِّج، المتأذّي، المُهمَل. إنني أتوق الآن إلى التمسُّك بالناس، والوقوف أمامهم والتحدُّث إليهم، وإقناعهم. إنَّ الأمر لم يعُد يتعلّق بالأدب، بل بحياتي، بحياتي معك. أشعر بهذا بقوة بحيث أني واثق من أنه يجب أنْ يُحَسّ. قد أُصبح أشدّ بساطة بكثير. كل كلمة يجب أنْ تحترق. الكلمات مملوءة بدمي، بولعي بكِ، بنهمي للحياة، بالمزيد من الحياة، الحياة الأبدية. لقد منحتي حياة، يا أناييس. أنتِ الشُعلة التي تشتعل داخلي. وأنا حارس الشُعلة. أنا أيضاً لديّ مهمة مقدّسة .
آه، ألا ترين وتعرفين وتصدقين كل ما أكتب إليك ؟ أليس واضحاً وصحيحاً وعادلاً ؟ ألن تمكثي معي، في داخلي دائماً ؟ لقد صعدتُ من أعماق سحيقة لأعثر عليك. إنَّ قولي إني أحبك ليس كافياً. إنه أكثر بكثير، بكثير. اسبري أعماقي، أخرجي كل ما في داخلي. أشعر بأني غني غنى لا ينضب.
هنري

رسالة حب من هنري ميللر إلى أناييس نن
صوت أحمد قطليش
ترجمة أسامة منزلجي