مع التطور الذي شهده العالم وظهور الطباعة تحول الأدب العربي من الشفاهي والمسموع إلى المكتوب. لكن الثقافة السماعية مازال لها حضورها، حتى وإن خفت بشكل كبير، إذ يمثل السماع طريقة أخرى لإيصال الأدب المكتوب.

عمّان - يسعى مشروع التسجيل الصوتي للنصوص الأدبية الذي أطلقه الشاعر السوري المقيم في العاصمة الأردنية عمّان أحمد قطليش قبل عامين، إلى إيجاد منصة عربية أدبية صوتية، في ظل افتقار المكتبة العربية إلى هذا النوع من المدونات الأدبية الصوتية، وغياب الاحترافية عن المشاريع المثيلة، والتي يتم في معظمها تسجيل الكتب بقراءات تقريرية أو إخبارية.
فقد أطلق قطليش مشروعه هذا عندما استشعر أهمية إيصال الأدب إلى المتلقي العادي من خلال تقديم الإبداعات الكتابية الحديثة، العربية والمترجمة، بشكل صوتي مقروء بطريقة مسرحيـة تلائم طبيعـة مضمون كل نص، مع الاعتناء بالجانب الموسيقي، ونشر هـذه التسجيـلات كي يتسنـى للشبـاب التعرف على الكتـاب وعلى إنتاجهـم الإبـداعي، والبحث عنهم والقراءة لهم أكثر.
ولكن التحدّي الأبرز الذي يواجه الشاعر السوري في مشروعه هو “تكريس ثقافة الأدب المسموع”، كما يقول، مقرا بأن هذه الثقافة موجودة في مجتمعاتنا، خاصة أن الشعر العربي صوتي في أصله، لكن من يعملون على إحياء صوت الأدب دائما ما يذهبون إلى عدد محدود من الشعراء القدماء ويهملون التطور الحاصل في الشعر العربي والأدب العربي الحديث. ومن التحديات والصعوبات التي واجهها المشروع أيضا، إيجاد النص المناسب الذي يعبّر عن الكاتب وقدراته الإبداعية، والذي يكون قريبا من المتلقي، ويمكن إعادة إنتاجه صوتيا.
ويوضح قطليش أن هذا الأمر “يأخذ الكثير من الوقت”، وهو ما يتكرر عند البحث عن الموسيقى المناسبة لكل نص. كما أنه ليس من السهل الإلمام بإنتاج الكتاب الجدد أو اختيار نصوص متنوعة ليتم تسجيلها، فاختيار نص مناسب يتطلب الكثير من البحث، إذ يعتمد قطليش في اختياره للنصوص على معايير عدة، منها “أهمية النص، وحداثته، ولغته، وإمكانية أن يكون صوتيا”.
يحرص قطليش على التنوع في اختيار الكتّاب مع تنوع أساليبهم وإنتاجاتهم الأدبية من شعر وقصة ومسرح ورسائل أدبية، ومن ثم يعمل على ترجمة أعمال غربية حديثة وتسجيلها، إضافة إلى محاولة مساندة الكتاب الشباب الذين لديهم مشاريع حقيقية من خلال تسجيل نصوصهم ونشرها.
أما النص الموسيقي، فيحاول المشرف على هذا المشروع عند اختياره أن يخرج عن المفهوم المتعارف عليه في الموسيقى المصاحبة للنصوص المقروءة، حيث يتم في العادة استخدام مقطوعات موسيقية يتم تكرارها في كل وقت مهما اختلف النص.
لذا قام باستخدام مقطوعات من أنحاء العالم وبما يعبر عن الاتجاهات والأنماط والآلات الموسيقية المختلفة، لتعريف المتلقي بالموسيقى العربية والآسيوية والإيرانية والأفريقية، إلى جانب الأنماط الشائعة في أميركا اللاتينية وأوروبا، وغيرها من الموسيقات غير المعروفة.
ويبقى إيصال هذه النصوص إلى المهتمين، تحدّيا آخر واجهه قطليش، الذي وجد أنه لا بدّ من البحث عن طرق متعددة للنشر، خاصة وأن هذا المنتج الثقافي قليل التداول، ثم إن التدرب على برامج المونتاج كي يكون المحتوى احترافيا، سواء من ناحية الهندسة الصوتية أو من ناحية دمج الصوت بالموسيقى، يحتاج إلى دعم مالي وتفرغ.
وكان قطليش قد بدأ مشروعه بتمويل ذاتي، حيث قام ببناء أستوديو صغير في منزله وزوده بأحدث الأدوات، إضافة إلى شراء قناة على منصة “SoundCloud” بدأ من خلالها نشر تسجيلاته بين الشباب.
وجاء اختيار قطليش بشراء هذه القناة، لأن موقع “SoundCloud” أشبه بـ“ثقافة الراديو” التي لا تندثر، فالناس بحاجة إلى ما تسمعه في الطريق وأثناء العمل أو الدراسة، وهذا الموقع يحقق انتشارا جيدا خاصة بين الشباب، و”من الممكن أن يسمعك الكثيرون ويتابعوك وهم لا يعرفون شيئا عنك أو عن مشروعك”، بالإضافة إلى أن هذا الموقع “منصة جيدة للمستقبل”.
يؤكد أحمد قطليش أنه ليس من السهل تسجيل أي نص، فهذه “عملية مرهقة” على حدّ تعبيره، مضيفا “أعتمد في العادة على تسجيل نصوص قصيرة لجذب المتلقي ولتقديم مادة دسمة بأسلوب إبداعي قريب منه ولا ينتقص من العمل بأيّ شكل”.
ومن التسجيلات التي أنجزهـا قطليش، ما يقع في باب “أدب الـرسائل”، مثل رسائل غسان كنفاني إلى غـادة السمان، ورسالـة مـن هنري ميللر إلى أنـاييس نـن، ورسالـة مـن الروائي الروسي نابوكـوف إلى زوجتـه فيـرا.
وهناك تسجيلات متنوعة من أدب أنطون تشيخوف ومسرحياته، وقصائد مترجمة للشاعر الإيراني خالد رحمتي، وقصائد لهنري ميشو، و“نصائح إلى أديب” للكاتب الروسي أليكسي تولستوي، وقصائد مترجمة للشاعر الأفغاني إلياس علوي، بالإضافة إلى قصائد ونصوص سردية لخالد أبوخالد، وحسن مريم، وعامر علي الشقيري، وسوزان علي، وبسام حجار، وعدد كبير من الأدباء العرب المعاصرين ومن الجيل الشاب أيضا.

مصدر المقال: