أذكر المقبرة يوم جنازته. كان مساء هادئا فى تموز و وقفت الاشجار القديمة فوق المقابر ساكنة بلا حراك ، ذهبية تحت الشمس. و بدت تنهيدات النساء رقيقة و هادئة. و فى نفوس الكثيرين ،حينها، كانت الحيرة عميقة.
و غادر الجميع ببطء و هدوء فذهبت إلى والدة تشيخوف و قبلت يداها فى صمت فقالت بصوت خفيض متعب:
“إن مصيبتنا لمريرة..لقد مات أنطوشا”
آه غمرنى ذلك العمق السحيق لتلك الكلمات البسيطة العادية الشديدة الشبه بكلمات تشيخوف! فقد أظهرت وراءها الهاوية الهائلة للخسارة و طبيعة هذا الحدث العظيم الذى لا يمكن تغييره!
لا! فالعزاء سوف يكون عديم الفائدة! فهل يمكن أن يخَفف حزن هؤلاء الذين اقتربت روحهم من تلك الروح العظيمة؟
و لكن دعوا معاناتهم التى لا ترتوى تتوقف بوعيهم أن محنتهم هى محنتنا جميعا، اسمحوا لها أن تهدأ بفكرة خلود اسمه النقى العظيم.
بالتأكيد سوف تمر السنون و القرون و يطمس الزمن ذكرى الآلاف و الآلاف من أولئك الذين يعيشون الآن و لكن الأجيال القادمة التى كان تشيخوف يحلم بها بحزن آسر سوف تذكر اسمه بامتنان و سوف يحزنون فى صمت لمصيره…
من كتاب ذكريات تشيخوف لماكسيم جوركى

 

صوت: أحمد قطليش.

Comments are closed.