لا ينتشر الصوت في الفراغ، ولم يزرع الكاتب والمحرر السوري أحمد قطليش مشروعه في الهواء، أحمد القادم من الأردن إلى ألمانيا، بعد سنوات من إقامته هناك، يقدم مشروعًا استثنائيًا مختلفًا، يبدأ من الصوت، التوثيق الصوتي للأدب العربي والمترجم. فبعد أكثر من ثلاثة ملايين متابع على القناة الصوتيّة (ساوند كلاود) يتقدم أحمد إلى منجز صوتي آخر؛ إذ يعمل اليوم على إنجاز كتاب شعري، يقدم نصوصًا شعرية صوتيّة، ينتهي مع عشرين شاعرًا وشاعرة من سورية، توزعتهم بلاد المنفى.

الشعر السوري ما بعد اللجوء.. مختارات وقراءة

عنوان الكتاب الذي سيقدمه الكاتب أحمد قطليش، مع مقدمة، هي قراءة في المشهد الشعري.

يتحدث أحمد قطليش عن المشروع، وبداية تبلور هذه الفكرة قائلًا:

  • بدأ المشروع من فكرة التغيرات الحاصلة في الشعر السوري، بعد الأحداث السورية؛ بغض النظر عن تقويم هذه التغيرات التي لم تنته بعد، لكنها واضحة على عدة مستويات، من الشكل واللغة والموضوعات والمناكفات ما بين الشعراء أنفسهم، حول أهمية الشعر ووظيفته. “الثيمة” الأساسية التي أعمل عليها هي التأريخ النفسي للأحداث السورية، من خلال هذه النصوص التي كُتبت خارج سورية. فقد حصلتُ على منحة من مؤسسة “اتجاهات”، لإتمام هذا العمل الذي سيجمع عشرين شاعرًا وشاعرة، خارج سورية، من خلال عشرين نصًا، ومقدمة قراءة في مشهد الشعر السوري خارج سورية، إضافة إلى تسجيل النصوص ليكون المشروع توثيقًا صوتيًا أيضًا.

اختيار عشرين اسمًا للمشاركة في هذا الكتاب، ليس بالأمر الهين! أسأل أحمد عن الصعوبات، عن معايير الاختيار، وكيف تم ذلك؟

  • حسنا كانت هناك صعوبة في هذه الناحية، لأن الفكرة ليست “أنطولوجيا” تجمع كل الشعراء؛ بل هي مختارات تحاول إلقاء الضوء على بعض جوانب الشعر السوري المهاجر، في هذه المرحلة, ليس هناك أي تقويم أو مقاربة بين الشعراء. الاختيارات كانت متنوعة من حيث التجارب، واختلافها، مع التركيز على الذين عملوا على مشروعهم الشعري في الخارج، وحاولوا أن يقدموا أنفسهم وأعمالهم، وبعض الأسماء التي لها حضورها، منذ مدة طويلة، لكنها تشارك الآن بهذه الحالة الشعرية، في خضم الأحداث الجارية. فالأسماء متنوعة من خلال التجربة وشكلها وعمرها الإبداعي، والبلدان المتنوعة التي توزع فيها السوريون.

تقع على عاتق مؤسسة “اتجاهات” تنفيذ العمل -ماديًا-، بالتالي هل هذا يعني أن يكون لها تدخلات أو توصيات، لإتمام هذا الكتاب؟

  • المشروع موافق عليه منذ نهاية السنة الماضية، والعمل جار. وخلال كل هذه المدة، لم تتدخل المؤسسة في طريقة اختياري أو ما أريد أن أقوم به، سواء اختيار الشعراء أو نصوصهم أو المواضيع المقدمة، أو المنتج الصوتي. في البداية كان هناك شرح كامل لآلية اختياري ولآلية عملي، على المقدمة والنسخة الصوتية، وبموافقتهم أصبحت لي الحرية في العمل، حول ما قمت بتحديده، والمؤسسة متفهمة -تمامًا- حتى للتغيرات، وهذا شيء جيد لم أكن أتوقع أن يكون بهذه المرونة.

الحالة الطارئة السورية -الثورة- أدت إلى إنتاج نصوص، وبالتالي ظهور أسماء شعريّة جديدة، ألا تخاف من هذا التفاوت في مستوى الشعراء وبالتالي النصوص؟

  • في البداية، لا أظن أنها حالة طارئة! هذه حالة غيّرت مسار كل شيء، وأثرت بشكل كبير على الشعر والأدب بشكل عام. نعم هناك كثير من الأسماء الغريبة ظهرت على الساحة، وهذا ليس بسبب الحالة السورية فحسب، بل -أيضًا- بسبب وسائل التواصل الاجتماعي، والمواقع الثقافية الإلكترونية المتعددة التي أصبحت تبحث عن أي محتوى، تملأ به صفحاتها. لكن في الوقت نفسه، ثمة أسماء منها تحاول أن تقدم ما هو جديد، وبعضها لديه أساس ثقافي وإبداعي. وبعيدًا عن تقويم هذه التجارب هي الآن موجودة على الساحة الشعريّة، وهي جزء من المشهد. نحن نحاول أن نقوم بتحليله، لكن من غير المعقول أن نعود إلى حالة الإقصاء السابقة، أو تدمير أي تجربة تحاول أن تتقدم وتطور نفسها. الحالة الشعرية السورية الحالية، متخبطة بشكل من الأشكال، نجد ذلك في النصوص نفسها؛ حتى الإبداعية منها، وهذا يعكس الحالة الإنسانية التي نعيشها، والرؤية الضبابية التي نحن فيها. بالنسبة إلي، كنت سعيدًا حين لم يعترض الشعراء، ممن لهم تجربة كبيرة، ولم يبخسوا حق أي تجربة أخرى بالكتاب، لأنهم أصغر سنًا مثلًا. كنت أتوقع أن أدخل في صراعات في هذه النقطة بالتحديد، لكن هذا لم يحدث! ربما سيحدث بعد صدور الكتاب! العمر –طبعًا- ليس له علاقة كبيرة بالتجربة الإبداعية، وبخاصة في هذه المرحلة التي تلعب فيها الأحداث دورًا كبيرًا في صقل التجربة الإنسانية للشعراء.

النص المقروء نصّ تقرؤه بنفسك، لكن حين تقدم النصوص صوتيًّا، فثمة طرف ثالث.! كيف تتوقع استجابة المتلقي؟

  • الأمر هنا مختلف، القراء الآن يختلفون عن السابق. من خلال تجربة شخصية -مع التسجيلات الصوتية- لاحظت أن الكثير من المستمعين الذي يعجبون بأحد التسجيلات القصيرة للأدب التي أقدمها، يقومون بعدها بالبحث عن الكتّاب والقراءة لهم، وهذا أراه تقريبًا كل عدة أيام، من خلال متابعتي لمن يستمعون لقناتي على (ساوندكلاود)، على الرغم من أن الكثيرين يفضلون القراءة على الصوت، فالصوت آلية إبداعيّة –أيضًا- تستطيع أن تقرب النص من المتلقي، وتردم هذه الفجوة بين الكاتب والمتلقي. جمهور قناتي قارب ثلاثة ملايين، وهذه شيء جميل جدًا، في ما يتعلق بالأدب والنصوص المنتقاة، والعديد منها نصوص صعبة على غير المتابعين للأدب، لكن ما لاحظته أن الصوت يستطيع أن يعطي دافعًا أكبر للقراءة وفهم الشاعر، إن استطعت أن أصله بروح النص من خلال الصوت.. أحاول دائمًا ذلك، ولا أعرف إلى أي مدى أنجح!

إذًا، ربما تستطيع -بحكم تجربتك السابقة في القناة الصوتيّة (ساوند كلود)، وبوصول مستمعي قناتك إلى ثلاثة ملايين- أن تضيف بعض الجمال إلى النصوص، فيتحسن الرديء، ويزداد الجميل جمالًا؟

  • أنا لا أقدم نصوصًا رديئة. نعم، كان الاختيار صعبًا ومتنوعًا، وبعيدًا -أحيانًا- عن ذائقتي الشخصية، إلا أنني أقدم كتّابًا لهم تجاربهم، الحكم بالرداءة على النصوص، هو أمر شخصي، لا أظن أنه صائب في كثير من الأحيان. أما بالنسبة إلى تحسين النص من خلال الصوت، فلا أظن أن هذا صحيح أيَضًا. الكثير من القراء لا يحبون صوتي -أبدًا-، لكنهم يحبون طريقة تقديمي للنص ولروح النص. أحيانًا، يحدث أن يصبح الصوت أعلى من النص، أو العكس، لكن أنا أسعى لتقدم النص كما هو.

 

 أحمد، أترى أن هذا مشروعك الشخصي، أم أنه يصب في إبراز وتلميع صورة السوري، بشكل أو بآخر؟

  • الكثير من المشروعات والفاعليات الآن تحاول إبراز السوريين بطريقة غبية، أو التركيز على قصص نجاح متوهمة، تدل على تميز السوري عن غيره، على الرغم من الصعوبات! وأظن أن هذا أمر مسيء جدًا للسوريين أنفسهم، لأنه يغطي على الحالة المأسوية والمشاكل الاجتماعية التي يجب معالجتها. قلت -سابقًا- إنني لا أريد أن أبرز الشعر السوري، ومن الصعب التحدث في هذا الأمر، لكنني أحب أن أكون صريحًا للغاية، من هذه الناحية، لأن الموضوع أصبح أشبه بمتاجرة بالسوريين! حتى إنني عندما تواصلت مع الشعراء، كنت أخبرهم أن هذا العمل بعيد عن تمجيد أو تقويم الشعر السوري. إنه محاول بسيطة لإلقاء الضوء على بعض التغيرات وبعض التجارب القديمة والحديثة.

ما الذي تريد أن تضيفه، وأغفلت أنا سؤالك عنه؟

  • لا أخفي أنني متخوف بعض الشيء، من هذا العمل، ومن النظرة التي ستؤخذ عنه! حاولت أن أكون واضحًا مع الشعراء -الذين أشكرهم على صبرهم معي- وأحاول أن أفعل ذلك مع المتلقي، من خلال ما سأقدمه في هذا الكتاب. متخوف أيضًا من التجربة الصوتية، وإن كان لدي خبرة في هذا المجال، إلا أنني، الآن، أريد أن أصل بصوت النص نفسه لتقديمه للقارئ. من جهة أخرى لا أهتم هنا بتقويم النصوص، لأن التركيز على أهمية هذه النصوص، في تأريخ الحالة الإنسانية المعقدة جدًا تجاه الأحداث السورية، ولماذا اختلف الشعر السوري، في أثناء الحرب، عن غيره، من تجارب مشابهة؟

لا أعرف هل هذا أمر جيد أو لا، لكن علينا ملاحظته والبحث فيه.

الجدير بالذكر أن أحمد قطليش: كاتب ومحرر محتوى سوري. يعيش في ألمانيا، ولديه أيضًا مشروع توثيق صوتي للأدب العربي والمترجم.

مصدر المقال: